ذكرى 11 يناير 1944 تحمل في طياتها تاريخًا عريقًا محفورًا في وجدان المغاربة، ترمز إلى إرادة صلبة وشجاعة شعب اختار، قبل 81 عامًا، أن يخطو خطوة حاسمة بتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال.
لم تكن تلك الوثيقة مجرد منعطف في مسار التحرر من الاستعمار، بل شكلت أيضًا حجر الأساس لبناء دولة ذات سيادة، موحدة وديمقراطية. واليوم، يحتفي المغاربة بهذا الحدث التاريخي الذي يجسد الفخر والاعتزاز الوطني، ويعيد إحياء روح النضال والتعبئة الوطنية التي تواصلت عبر الأجيال.
تمثل هذه المناسبة تذكيرًا بالكفاح البطولي الذي خاضه المغاربة لنيل حريتهم واستقلالهم، والحفاظ على وحدة البلاد الترابية. إنها صفحة مضيئة في الذاكرة الجماعية تبرز تضحيات جسام قدمها الشعب وقياداته لتحقيق تطلعاته.
في بداية القرن العشرين، عانى المغاربة من نظام استعماري قسم البلاد إلى مناطق نفوذ؛ حيث فرضت الحماية الفرنسية في الوسط، والحماية الإسبانية في الشمال والجنوب، بينما خضعت مدينة طنجة لإدارة دولية. أمام هذا الواقع، برزت الحركة الوطنية بتحدياتها الكبيرة، مستندة إلى انتفاضات شعبية ونضال مستميت، خاصة في الأطلس المتوسط والشمال والجنوب.
قاد الراحل محمد الخامس، منذ اعتلائه العرش عام 1927، مسار المقاومة الوطنية، جامعًا طموحات الشعب تحت مظلة واحدة. وكانت مؤتمرات أنفا في يناير 1943 محطة بارزة، حيث أعاد محمد الخامس قضية الاستقلال إلى الواجهة الدولية، مؤكدًا التزام المغرب بدعم الحلفاء في الحرب ضد النازية. وقد لاقت هذه المطالب تأييدًا من قوى كبرى، مثل الولايات المتحدة بقيادة فرانكلين روزفلت.
وجاء توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 على يد 67 شخصية من قادة المقاومة، بينهم امرأة، كخطوة جريئة نحو التحرر. دعت الوثيقة إلى استقلال البلاد تحت شرعية الملك محمد بن يوسف، مع إصلاحات داخلية لبناء نظام سياسي قائم على الشورى والعدالة الاجتماعية.
وفي عام 1947، عزز خطاب محمد الخامس في طنجة زخم المقاومة، متحديًا السلطات الاستعمارية، وهو ما أدى لاحقًا إلى نفيه. لكن إصرار الشعب بلغ ذروته بعودته المظفرة وإعلان الاستقلال في عام 1956.
إحياء هذه الذكرى ليس فقط تكريمًا لتاريخ مشرف، بل هو تأكيد على الرابط الوثيق بين المغاربة وتاريخهم، ودعوة للأجيال القادمة لمواصلة العمل بروح النضال للحفاظ على قيم الحرية والسيادة والوحدة الوطنية التي أرساها الأجداد بتضحياتهم العظيمة.