كان من المتوقع أن يرث الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، اقتصادًا مستقرًا، إلا أن المشهد الاقتصادي أصبح أكثر اضطرابًا بشكل مفاجئ، حيث يرى النقاد أن تصرفاته تسهم في زيادة حالة عدم اليقين.
توقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي استمرار التضخم عند مستويات مرتفعة، مما دفعه إلى تبني نهج أكثر حذرًا تجاه خططه لتخفيض أسعار الفائدة في العام المقبل.
وفي خطوة أثارت جدلًا سياسيًا، عرقل ترامب اتفاق الموازنة بين الحزبين يوم الأربعاء، ليقترح في اليوم التالي صفقة جديدة حظيت بدعم الجمهوريين لكنها قوبلت بالرفض من الديمقراطيين والرئيس الحالي جو بايدن، وفشلت في الحصول على الأصوات اللازمة لتمريرها في مجلس النواب.
إلى جانب ذلك، تصاعدت التهديدات بفرض رسوم جمركية جديدة من قِبل ترامب، وهو ما حذر منه مكتب الموازنة في الكونغرس، مشيرًا إلى أن هذه الرسوم قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وإبطاء النمو الاقتصادي، دون توفير إيرادات كافية لتعويض التخفيضات الضريبية المخطط لها.
الأسواق في مواجهة عدم اليقين
مع استعداد ترامب لتولي منصبه رسميًا، تعكس تحركاته الأخيرة نهجًا غير متوقع في إدارة الملفات الاقتصادية، مما يضع الأسواق المالية – التي يعتبرها ترامب مؤشرًا رئيسيًا لنجاحه – أمام تحدٍ كبير.
الإدارة الانتقالية لترامب ترى أن الاقتصاد يعاني بالفعل نتيجة التضخم الذي بلغ 2.7%، وتراجع ثقة المواطنين في إدارة بايدن. وفي هذا السياق، أكدت المتحدثة باسم الإدارة الانتقالية، كارولين ليفيت، أن ترامب سيبدأ، من اليوم الأول، في تنفيذ أجندة طموحة لإزالة القيود التنظيمية، وخفض الضرائب، وتسريع عمليات التصريح لمشاريع التنقيب والتكسير الهيدروليكي بهدف تقليل تكاليف الطاقة وكبح التضخم.
تحديات أمام ترامب
الأحداث الأخيرة تعكس نمطًا من عدم الاستقرار الاقتصادي كان قد رافق فترة ترامب الأولى في الحكم. ويبقى التساؤل حول مدى استعداد الناخبين، الذين أرهقهم التضخم، لمواجهة فترة جديدة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.
ورغم نجاح ترامب في تقديم نفسه كمنقذ اقتصادي خلال حملته الانتخابية، إلا أنه يدخل ولايته الجديدة من موقف أكثر هشاشة مقارنة بوضع بايدن عند توليه السلطة قبل أربع سنوات.
بحسب استطلاع رأي حديث أجرته وكالة “أسوشيتد برس” ومركز “نورك” للأبحاث، فإن 54% من البالغين الأميركيين لديهم نظرة سلبية تجاه ترامب، مع تراجع الثقة في قدرته على إدارة البيت الأبيض أو التعامل مع الإنفاق الحكومي. وعلى النقيض، بدأ بايدن رئاسته بمعدل قبول تجاوز 60%، لكنه تراجع تدريجيًا مع تصاعد أزمة التضخم.
قرارات اقتصادية معقدة في الأفق
ترامب يواجه تحديات اقتصادية كبرى، من بينها الحفاظ على زخم التعافي الاقتصادي من تداعيات الجائحة، واتخاذ قرارات حاسمة بشأن السياسة المالية.
أحد أبرز هذه التحديات هو الحاجة إلى رفع سقف الاقتراض الحكومي، وهو أمر يصر ترامب على ربطه بمشروع قانون تمويل قصير الأجل لتجنب الإغلاق الحكومي. كما يسعى لتمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017، والتي تنتهي العام المقبل، رغم تفاقم عجز الموازنة مع ارتفاع أسعار الفائدة.
علاوة على ذلك، فإن الدين الوطني الذي سيرثه ترامب أعلى بكثير مما كان عليه عند تولي بايدن للرئاسة، مما قد يحد من قدرته على تنفيذ سياساته الضريبية والمالية. فعندما كان ترامب رئيسًا في عام 2020، كانت الحكومة تنفق 345 مليار دولار سنويًا لسداد الديون، بينما يتجاوز هذا الرقم الآن تريليون دولار سنويًا.
وفي محاولة لمعالجة العجز، أعلن ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن الحكومة الفيدرالية ستخفض مئات مليارات الدولارات من الإنفاق العام المقبل، لتمويل التخفيضات الضريبية التي يخطط لها.
رؤية الاحتياطي الفيدرالي
في مؤتمر صحفي، أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى أن بعض أعضاء اللجنة النقدية بدأوا في دمج الآثار المحتملة لسياسات ترامب في توقعاتهم الاقتصادية، رغم الغموض المحيط بتوجهاته.
وأشار باول إلى أن عدم وضوح سياسات ترامب، مثل تهديداته بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين وأوروبا، يخلق حالة من الضبابية في الأسواق. كما لم يقدم ترامب توجيهات واضحة حول كيفية تمويل تخفيضاته الضريبية، التي قد تضيف 4.6 تريليون دولار إلى العجز خلال العقد المقبل.
وختم باول حديثه بمقارنة الوضع الحالي بقيادة سيارة في ليلة ضبابية أو دخول غرفة مظلمة مليئة بالأثاث، قائلًا: “عليك أن تبطئ وتيرتك”.